غصون تحن الريح
-١-
عندما تنظرين إلى الشرق يخضرّ قلبي قليلًا
وتنساب أغنيةٌ في عروق الضجرْ
سيستغرق الجرح وقتًا ليكتشف الليلُ حزنَ القمرْ
هنا الأرض أضيقُ من رغبتي بالبكاء،
وهذي السماء،
على الرغم من كل بهجتها في المساء
ورغم اتساع المدى واخضرار الشجرْ
عروقيَ خيطان طائرةً في بلادي،
وقلبي حجرْ
دعيني أصدّق عينيك يا حلوتي،
كلّ من كان خان،
دعيني أصدقُ أنّ يديك اهتدائي الأخير إلى لغتي الواعدةْ
دعيني أفسر جوعَ العصافير وهي تحومُ على سورة المائدةْ
دعيني أفكر بي، وبنا، وبمن قال إن الهوياتِ نصلٌ بأحلامنا الهامدةْ
لماذا تظلّ البلادُ التي عذبتنا طويلًا ندوباً بأرواحنا الباردةْ؟
وهل نحن نرحلُ ما دام تبقى البيوتُ ثقوبًا بأجسادنا الشاردةْ!؟
لقد قطّعتنا البلاد إلى حطبٍ في الرحيل،
وقد أحرقتنا اشتياقًا،
فكيف تحنّ الغصون إلى الريح والشجرة الجاحدة؟
ولماذا على غرقٍ أبيض حين أكتب
أسكب كل القصائد في دمعة واحدةْ؟
-٢-
ليتني شجرةٌ،
لا أغادر بيتي وراء الأحبة إذ يرحلونْ
كلما حفر الناس صدري بأسمائهم،
قلت: لا بأس أن يجرح العاشقونْ
ليتني شجرةٌ،
كنت لا أكتب الشعر في الأرض،
أدفن نفسي بها كي أكونْ
ليتني شجرةّ،
وطني ضيّقٌ، غير أنّ اعتزازي به،
كلما رفّ قلبٌ لأجلي منحت له وطنًا في الغصونْ...
ليتني شجرةٌ،
كي أبرهن أنّ الضياء الذي يتسلل من بين أوراق صدري الى وجهه، ليس ضوءًا
ولكنْ عيونْ
-٣-
لا تسلكْ غير طريق الريحِ إلى الغابهْ.
حافٍ/ الأرضُ مجعّدةٌ/ والأفقُ ربابهْ
كثّرَ شعرُك رملاً وحصىً في الدربِ
فمن ينجيكَ سوى حدسِ مكانس لا مرئيّهْ
الطرقاتُ تَدينُ لمن سلكوها
والخطواتُ، لمن ينظرُ من فوق الأيام،
كتابهْ
-٤-
السنديان
وهو يأكلُ من صدر جدّتي في القبر
صارَ كثيرًا ما يشبهها
-٥-
الأشجار طرقات تقف على قدمٍ واحدة
-٦-
هذه ليست شتلةً صغيرة ولدت وحدها تحت الشرفة
وليستْ عُرف ديكٍ بالطّبع...
إنها رأس شجرةٍ عملاقةٍ
زرعها شاعرٌ ما
مقلوبةً
في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية
-٧-
العمر لعنةٌ محسوبة
نحن نكبر بالثانية
لكي نستسهلَ الكارثة، ابتكرنا السنة
كم نتأخر عن المعنى
حين نسير مترًا واحدًا كل ثانيةٍ إلى الأمام
على طريق تسير بسرعة مترين في الثانية
مهدي منصور هو شاعر وأستاذ جامعي لبناني، من مواليد العام 1985، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة الشابّة في لبنان والعالم العرب. ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال (LBCI) عام 2003 حيث تفوّق حاصداً الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.صقل منصور موهبته الشعريّة عبر توسيع دراسته بين الأدب العربي من جهة و"فيزياء الكم" من جهة أخرى، وتوّج دراسته بحصوله على شهادة الدكتوراه في العلوم والتربية، حيث كان لهذا التنوّع الدراسي أثرٌ في نتاجه الأدبي وموضوعات النصوص التي يقدّمها. نال منصور عددًا كبيرًا من التكريمات والجوائز في لبنان والوطن العربي، إلا أنّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيا وقدّمته إلى العالم العربي كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة أبو ظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة تحكيم البرنامج.
في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة والحداثة معاً انسجاما تامّاً، فهو يكتب بلغة عصره ويمارس التجريب في الحداثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي دفع كبار شعراء لبنان أمثال سعيد عقل وشوقي بزيع ومحمد علي شمس الدين وغسّان مطر وكثر غيرهم أن يقدّموا له شعلة الشعر المبدع لينقلها للأجيال القادمة. ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس الإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الأمر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار"، وجائزة دبي الثقافية عن ديوان "الظل فجرٌ داكن" بالإضافة إلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة أخرى.
يُعدُّ منصور الوجه الشعري الأكثر تمثيلاً للبنان في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية خلال السنوات الأخيرة، والجدير ذكره أنّ قصائده تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت مجموعة قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني.