سكين: تأملات بعد محاولة اغتيال
الكاتب: سلمان رشدي
معاينة: فاطمة الحارثي
سيرة ذاتية (ميموار)
بينجوين راندوم هاوس
سنة الإصدار: ٢٠٢٤
عدد الصفحات : ٢٠٩
في صباح الثاني عشر من شهر أغسطس لعام ٢٠٢٢، تعرض الروائي سلمان رشدي لطعنات في رقبته في الدقائق الأولى من جلسته الحوارية في شاتاكوا بولاية نيويورك والتي فقد على إثرها عينه اليُمنى.
الكتاب هو سيرة ذاتية تصب في تأملاته حول الحادثة وتبرز دور الجانب الإنساني، الحب، الترابط الاجتماعي، و الإصرار في مواصلة الكتابة كوسائل عملية لمجابهة الأوقات الصعبة. يتأمل رشدي عدد الطعنات التي تلقاها ويتخيل عقد جلسة حوارية مع الشخص الذي هاجمه. يقع الكتاب في جزئين بعنوان: ملك الموت، وملك الحياة، وكل جزء يشمل على أربعة فصول وهي: سكين، إلايزا، هاموت، والعلاج التأهيلي، ثم العودة إلى البيت، المعتدي "أ"، الفرصة الثانية، والختام.
يرفض رشدي أن يستخدم الاسم الحقيقي للجاني ويكتفي بحرف الألف، متأملًا كيف أن الشخص لم يثقف نفسه كفاية قبل الحادثة واكتفى بقراءة صفحتين فقط من أعمال رشدي ومشاهدة لقائين معه على اليوتيوب وكأنه بذلك يرسم نمطًا للتطرف الذي يتغلغل في العقول التي تفقد شيئين أساسيين: العمق الثقافي وخصوصا قراءة الأدب، والحياة العاطفية التي تساعد المرء على الاتزان. في المشهد الحواري المتخيل مع الجاني، يتطرق رشدي لغياب الحب من حياة الجاني.
رشدي: "تثير لدي عاطفة لم أكن أتوقعها."
الجاني: "عاطفة من أي نوع؟"
رشدي: "شفقة."
الجاني:" أنت تشفق علي؟ لا أبدًا. أنا أشفق عليك. أنت متطفل وغير مهذب."
رشدي: "دعني أخبرك من المتطفل وغير المهذب، طعنة بالسكين في سبع وعشرين ثانية. هذه هي. من وجهة نظري، ما فعلته يعطيني بعض الصلاحية لأسألك أسئلة شخصية. ما الفرق بين العذري والعازب الغير طوعي؟"
الجاني: "اغرب عن وجهي."
ثيمة غياب الحب الذي يذكره رشدي عن الجاني يذكرني بالمسخ في رواية فرانكشتاين لميري شيلي التي أصدرت عام ١٨١٨، وكيف أن رفض المجتمع له بسبب شكله المختلف وعدم الإنصات لحاجاته لصديق يتحدث معه، صير منه وحشًا متطرفًا. على شق آخر، يتأمل رشدي في الاحتواء الذي تلقاه من الناس حوله، سواء من زوجته، أخته، ابنيه، أصدقائه أو الشخص السبعيني الذي استضافه على مسرح شاتاكوا والذي ألقى بنفسه على الجاني دون أن يفكر أن الجاني ذا الأربعة والعشرين عامًا أقوى منه جسديًا وبيده سلاح. يقول رشدي: "في صباح ذلك اليوم في شاتاكوا، صادفت أسوأ وأجمل ما في الطبيعة البشرية في الوقت نفسه."
سبع وعشرون طعنة، ستة أسابيع في المسشتفى وفقد للعين اليمنى كانت كفيلة بأن تنهي الكوابيس التي لطالما رافقت رشدي في أحلامه. بعد ثلاثة عقود من إصدار الخميني فتواه بإراقة دم رشدي بعد روايته "آيات شيطانية" التي لم يقرؤها لا الخميني ولا الجاني والتي تطرق إليها رشدي في سيرته الذاتية الأولى "جوزيف أنتون،" لم يكن رشدي يتصور أن شبح الفتوى سيظهر مؤخرًا وهو في منتصف السبعين من عمره. في حوار رشدي المتخيل مع الجاني، يقول رشدي: "ماذا إن قلت لك أن في قلب كتابي الذي تبغضه والذي قرأت منه صفحتين فقط، كتبتُ عن عائلة مسلمة في شرق لندن تملك مطعمًا ومقهى، جسدتها بحب حقيقي؟ ماذا لو قلت لك إنني كتبت رواية قبلها عن عائلة مسلمة أهتم لأمورها في خضم استقلال باكستان عن الهند؟ ماذا لو قلت لك أنه عندما أراد بعض المسلمين قيام مسجد بالقرب من موقع هجمات الحادي عشر من سبتمبر وعارضها بعض النيويوركيين، دافعت عن حق المسجد ليقام؟ ماذا لو قلت لك إنني لطالما عارضت اضطهاد الحكومة الهندية للمسلمين؟"
السكين في كتاب رشدي هي أكثر من أداة هجومية، فهي استعارة عن الطبيعة الهمجية التي تستولي على الإنسان جاعلة منه عنصرًا للتدمير، وهي أيضا أداة إصلاح في العمليات الجراحية التي تعرض لها وقت الهجوم، فكما أن السكين تستخدم في فنون الطهي والنحت والبقاء في البراري، فرشدي يرى أن اللغة هي سكين أيضًا بإمكانها "فتح العالم لتبرز معناه، أسراره، وحقائقه." يقول رشدي: "السكين هي أداة تأخذ معناها من طريقة استخدامنا لها. أخلاقيًا، هي أداة محايدة، لكن سوء استخدامنا لها هو الذي يجعل منها أداة للشر."