مفاجأة
مريم الدوسري
هذا صحن فيه نصف كعكة، جاملتْ صاحبته بأكل نصفها. لتحافظ على شهية ومساحة معويّة لعشاء فعلي بعد هذه الزيارة – لا يعقلُ أن تفوتَ عشاءً هنديًا مع العائلة. لذا قدمتْ ما بقي قربانًا للحمية، التي يمكنها ألا تلتزم بها الليلة، وللقمامة. هذا صحن حفرتْ صاحبته الكعكة حفرًا من تحت عجين السكر. جلستْ على طرف الأريكة: ساقان معقوصتان وظهرٌ متوتر. تفكر في زوجها الذي ينتظر كيها للملابس بعد أن غسلها هو. اتفاقٌ عملي. تقول هي: إنها لا تحب الكي. يقول هو: إنها أفضل منه – تُحددُ، كما لو أنها تفعل ذلك بالمسطرة، كسرات جميلة على الأكمام والسيقان، وتُنَشِي الياقات حتى تغدو أطواقًا.
أقف أمام المغسلة، أرفع أكمامي، كيفما أتفق، حتى الأكواع. أسحب سلة القمامة من تحت المغسلة وأفرغ الصحون. تنزلق قطعة من عجين السكر على أرض المطبخ كسمكة زينة. ألتقطها بإبهام وسبابة فينفرط عنها مما بقي من ألوان الطعام. تترك على رؤوس أصابعي أثرًا مفرط الحلاوة. قد تكون هذه قطعتي على أي حال. ألقي بها في القمامة. أغسل يدي. أبلل ممسحة بالماء وألقي بها على موضع عجين السكر. أضع قدمي على الجزء الجاف من الخرقة وأمسح اللطخة.
أرغي الأكواب بالماء والصابون، فتزبد الثرثرة. أتذكرين ما قاله فلان عنها؟، لا، لا، في آخر مرة كانت فلانة ترتدي الشيفون! من يرتدي الشيفون؟ أنصاف ضحكات. والعيال؟ كيف حالهم؟ وأبو العيال؟، الحمدلله، الحمدلله. أصغرهم بدأ يمشي الآن، وعليّ أن أراقبه طوال الوقت. حين تعود شقيقته من المدرسة تساعدني. يساعدني الأولاد وأبوهم أيضًا. هناك دائماً ما يمكنهم القيام به. همهمات ورؤوس تهتز مؤيدة. وأنتِ، ألم تقرري بعد إن كنتِ تريدين الإنجاب؟ ابتسامة خجلة، هزة رأس نافية، غمزات وضحكات. أما أنا فقد اكتفيت. اثنان كفاية. هل أخبركِ بأنه يريد المزيد؟ لا، لا، لا، هذا غير مقبول. ووالدتكِ؟ أتواصل العلاج؟ إنها تتحسن. ثوانٍ واجمة وتمتمات بالحمد لله والشكر له. وبعد هذا الإنجاز، إلام تطمحين؟، ما الذي تخططين له؟ ما الذي أخطط له؟ ليلة خميس أقضيها وحدي على الأريكة، أقرأ، ولكنكن هنا، تجلسن على أريكتي، تعملن ملاعقكن في الكعك الذي أحضرتنّه معكن، ترتشفن الشاي والقهوة التي كان عليّ أن أعدها حين اتصلت إحداكن تخبرني أنكن ستصلن بعد خمس دقائق، تثرثرن. جواب خاطئ. لم أفكر بعد. جواب خاطئ آخر. المزيد من الإنجازات. إجابة صحيحة. ترتفع فقاعات من التهاني وكلمات التشجيع إلى السقف وتفرقع منفجرة في غرفة الجلوس.
هل عثرتِ على طقم الصحون التي كنت تسألين عنه؟ لا، مجموعة جديدة من طلاء الأظافر. فاتكنَّ البازار هذا العام! أنظري، أنظري، سأريك ما اشتريت. يقترب رأسان من بعضهما. رؤوس أخرى تتلفت تقتفي أثر ثرثرة أخرى. متى سننظم تجمعنا السنوي؟ تلتقط كل الرؤوس الإشارة، فتترك كل ما كان يشغلها. إليكن فكرة: يوم في المنتجع الصحي!، تدليك، علاج بالروائح، يوغا، وربما علاج للشعر! أنا موافقة! أنا أيضاُ! أعرف منتجعًا رائعًا. اتركن الأمر لي. سيكون هذا رائعاً! أرجو أن تتفقن على تاريخ وتوقيت مناسب. الأطفال--- ونهضت فجأة صاحبة أحمر الشفاه القاني على المنديل المكرمش الذي ألتقطه من على الأرض الآن. ---الأطفال. عليّ أن أستأذن الآن، علي أن أعود لرضيعتي في البيت. أوه، أنا أيضا لا يمكنني أن أتأخر على زوجي، لابدّ أنه ينتظرني.
واتفقت الأعين التي التقت على الدفع بالصحون والأكواب على طاولة القهوة، وعلى لملمة الهواتف النقالة، وتعليق حقائب اليد على الأكتاف. رتبن في وقوفهن ملابسهن وتركن (عناق) استمتعنا بوقتنا (قُبْلة إلى اليمين) شكرًا (قُبْلة إلى اليسار) مع (رؤوس تحاول أن تحدد اتجاه القُبْلة القادمة) السلامة، (عدنا إلى اليمين)، نراكْ الأسبوع القادم (مرة أخرى إلى اليسار)" تحملنا إلى المدخل.
غادرن تاركين عجين السكر في الصحون، وأحمر الشفاه على الأكواب والكؤوس، روائح البخور في الأرائك، وصدى صخب يرتد عن الجدران ويرن في أذني، وباقة ورد تكسرت منذ أن وضعنها بين ذراعي وسط قبلات وأحضان. تخبو الثرثرة كلما قرع كعب حذر يخشى الانزلاق على السلم. أقفل الباب مرتين، وأعود لأخفف عن الأريكة، أربت عليها، وأنفض عنها فتات الكعك وبقايا الحديث. أعيد ترتيب الوسائد، كلما ضغطت على إحداها، أطلقت ريحًا من خوخ، زبدة الكاكاو، ومثبت الشعر. تهيج الرائحة وحشًا من حممٍ الكعك والمربى والقهوة التي تحرق صدري وتكاد تأتي على حلقي. يفاجئني الوحش حين ينزلق عائدًا من حيث أتى مخلفًا حرقة وشيئًا من دوار، فلا أجد مفرًا من الجلوس قبالة ما بقي من الكعكة – قطعة هرمية واحدة من أصل ست، تكشف من الجانبين عن ثلاث طبقات من كعك الفانيلا يخطها مربى الفراولة، وتعلوها طبقة من عجين السكر الأبيض كتب عليها بخط وردي أنيق "رك" بعد أن أكلن "مبا". هل نفاجئها؟، نعم! إجابة خاطئة. ونشتري لها كعكا وباقة ورد؟، نعم! إجابة خاطئة. ونزورها في بيتها؟، نعم!، تبادلن بعد ذلك مئات الرسائل النصية والغمزات والقهقهة. تتفقن على التفاصيل: المخبز، الكعكة، الكتابة عليها، محل الورود، الباقة، لونها، شكلها، تنسيقها، متى، أين، كيف، ومن.
أتعتقدن أنها ستحب المفاجأة؟
بالتأكيد!
إجابة خاطئة.
مريم الدوسري – مخربشة من البحرين مهتمة بالأدب واللسانيات والترجمة وما إلى ذلك.