top of page

‏خَطايَا الغِناء

حسن شهاب الدين


‏ (في زمن الحزن الدائم يصبح الغناء خطيئة)

‏الوَقْتُ..
‏سِرْبُ يَمَامٍ كادَ يَنْتَصِفُ
‏يا أنتَ..
‏أيّ هديلٍ سوفَ تَقْتَرِفُ
‏تأخَّرَ الحُزْنُ - هذا الليل -
‏عن دَمِنا
‏فَلْنَبْتَكِرْ فرْحَةً صُغْرَى
‏لِمَنْ نَزَفوا
‏دَعْنا نُجَرِّبْ خَطايا الأُغْنياتِ
‏بلا دَمْعٍ..
‏فتلكَ خَطايا مَا لَهَا أسَفُ
‏الشِّعْرُ طِفْلُ الحَزَانى
‏لا ذُنُوبَ له
‏يَلْهو فَيَسْرِقُ أحْـلامًا
‏ويَخْتَطِفُ
‏في جَيْبِ مِعْطفِه
‏مِنْديلَ قافيةٍ
‏يُخَبِّئُ الدمْعَ فيه
‏حينَ يَنْذرِفُ
‏وقَدْ يُجَنُّ..
‏فَيَمْشِي عَاريًا ألِقًا
‏فَنَسْتَرِيبُ قليلًا..
‏ثمَّ نأتَلِفُ
‏يُقَشِّرُ الغَيْمَ عنْ صَيْفٍ
‏بلا مَطَرٍ
‏وَيَسْكُبُ الشمسَ أحيانًا..
‏فَنَرْتَشِفُ
‏فَلْنَقْنِص الآنَ
‏عُصفورَيْنِ مِنْ فَرَحٍ
‏لِكُلِّ مَنْ لَيْلُهمْ بالحُزْنِ يَلْتَحِفُ
‏الدَّامِسِينَ..
‏لأنَّ الصُّبْحَ أخْطَأَهُمْ
‏وفي مَحَطَّتِه البيضاءِ لَمْ يَقِفُوا
‏النَّازِفينَ قناديلَ مُكَسَّرَةً
‏وَقَلْبُهمْ..
‏في الزُّجَاجِ الهَشِّ يَنْقَصِفُ
‏الحافظِينَ أناشيدَ الجياعِ مَعًا
‏عَنْ ظَهْرِ قلبٍ..
‏وَطَعْم الجوعِ تَحْتَرِفُ
‏لَهُمْ رصيفٌ..
‏ضُيوفُ الحُزْنِ تعرفُه
‏ومَسْجِدٌ مِـنْ عَراءٍ فـيه تَعْتَكِفُ
‏في كُلِّ جُرْحٍ / صديقٍ
‏شَيَّدوا وَطَنًا
‏وَمَوْعدًا بلقاءٍ كُلَّما انْصَرفوا
‏أطفالُهمْ غيمةٌ في الأرضِ يابسةٌ
‏وَعُـشْبُ دَمْعٍ هزيلٌ
‏مِثْله نشفُوا
‏لَهُمْ بلادٌ..
‏ولكنْ مِنْ نوافذِها
‏تساقـطوا كَثِمارٍ لَيْسَ تُقْتَطَفُ
‏مُشَرَّدُونَ..
‏كَأسْمَالٍ مُعَلَّقةٍ
‏على حِبَالِ المَنَافي
‏فَهْيَ تَرْتَجِفُ
‏الحُزْنُ حِبْرُ القَوافِي حينَ أكْتُبُهمْ
‏فمَا أمَرَّكِ يا يَائِي
‏ويا ألِفُ
‏شيِّدْتُ مِئذنةً خضراءَ مِنْ دَمِهِمْ
‏وَفَوْقَها..
‏شُهداءُ الأرضِ قد هَتَفُوا
‏لي قِبْلةٌ مِنْ جراحٍ
‏حيثما اتَّجَهوا
‏وَبِاسْمِهِمْ لِسَماءِ اللهِ
‏أزْدَلِفُ
‏فَلْأقْتَرِحْ لُغةً أخرَى
‏سِوَى وَجَعِي
‏فَرُبَّما طَعْمُها بالفَرْحِ يختلِفُ
‏وكوكبًا مِنْ قصيدٍ
‏نستظلُّ به
‏وبابَ بيتٍ صديقٍ
‏فيه ننعطِفُ
‏أصبُّهم قهوةً للشِّعْرِ ساخنةً
‏ونَخْبَ كلِّ حَزَانى الأرضِ
‏نرتشفُ
‏أقيسُ قامةَ صَوْتِي
‏في معاطِفِهمْ
‏فيألفون طفولاتي
‏وَأَأْتَلِفُ
‏وأقْتَفِي في مَرايا وَجْهِهِمْ أثَرِي
‏فلَيْسَ تَدْرِي المَرايا
‏أيَّنا تَصِفُ
‏تأخَّرَ الحُزْنُ عنَّا
‏قَدْرَ أغْنيَةٍ
‏فَـلْـنَخْـتَـلِسْها مِن الدُّنيا
‏وَنَعْتَرِفُ
‏بعضُ الغِناءِ خَطايا
‏حينَ تَهْزِمُنا هذي الحياةُ..
‏ولكنْ سَوْفَ نَـقْـتَرِفُ


حسن شهاب الدين ‏شاعر مصري صدر له 11 ديوانا، ‏وكتابان للمختارات الشعرية، ‏وكتابان للأطفال، ‏وله عدد من الدراسات المنشورة. ‏فاز بالعديد من الجوائز الشعرية، ‏وكتب عنه العديد من الدراسات الأدبية

© All Rights Reserved. Sard Adabi Publishing House 2024.

 جميع حقوق النسخ محفوظة لدار سرد أدبي للنشر©

bottom of page