كلمة من الكاتب مباشرة إلى القارئ
إدريس أمجيش
الكلمة مقتطفة من كتاب الأنطولوجيا القصصية "أدب الخمسينيات: عقد من الكتابة الأمريكية". صدر هذا الكتاب في عام 1959، بتحرير هربرت غولد، وتضمن قصة لجيمس بالدوين.
سأل المحرر المساهمين: "هل تعتقدون أن معضلة الكتابة في الخمسينيات اختلفت بأي شكل عن معضلة الكتابة في أزمان أخرى؟ هل تعتقدون أن هذا العصر يفرض عليكم مطالب محددة بصفتكم كتّابا؟"
إجابة جيمس بالدوين
لطالما كان من الصعب أن يكون المرء كاتبًا. هذا ما يخبرنا به الكتّاب ويشهد عليه التاريخ في كل زمان ومكان، كما تشهد عليه لامبالاة العالم بالكتّاب. لكنني أشك إن قد مر علينا زمان يُلحّ على الكاتب بقدر ما تلح عليه هذه الأيام. لقد انكمش العالم إلى بضعة أحزاب غافلة، كل واحد منها يَنشد الولاء بصخب، فيما كثير منها يفرضه بهمجية. ومع ذلك، لا يهون عليّ، عندما أحاول تدبّر العالم الذي أسكنه، تمييز الجانب الصحيح من الجانب الخاطئ. فأنا مثلاً أتبنّى مُثُل الغرب - الحرية والعدالة والأخوّة - ولكنني أتحاشى أن أعلن أنني عاينتها متجسدة مرارًا في الواقع، كما أن الأشخاص الذين يقفون ضدنا لم يشهدوا امتثالنا لهذه المثل مطلقًا.
على أن الصعوبة التي تقابلني في النهاية هي في البقاء على صلة بالحياة الباطنة. إن حياة الكاتب الباطنة وحياة الآخرين هي قِوام مادته - هي مفتاحه ومفتاحنا لاستيعاب مُنجزه. لا شيء أصعب من استبطان ما يشعر به مواطنو هذا الزمان والمكان، ناهيك عما يفكرون فيه. هم أنفسهم لا يعلمون. فعندما يُفصحون، يفصحون أمام الطبيب النفسي، لأنهم يحسبون، على الأرجح، أن حقيقتهم عصيّة على الوصف. إن هذا الوهم الطفولي له تبعاته: إنه مُعد، فالكاتب العالق بين أناس صامتين يتهدده خطر الصمت عن الكلام. لا مرآة عنده آنئذ، ولا إثباتات لحقيقته الجوهرية، بمعنى آخر، إنه لا يدرك واقع الناس حوله. ما يطالبنا به هذا العصر، وما لم يطالب به عصر من قبل، هو أن يكون الكاتب صادمًا ومستقلاً وفوضويًا، لا أن يبدو كذلك فقط. أن يكون منضبطًا أشد الانضباط، لكي يتسنى له أن يكون عفويًا. أن يقاوم بأي ثمن الضغوط الرهيبة التي تدعوه إلى تكذيب تجربته. فكما أن الكاتب بالكاد سبق له أن خبَر زمانًا مضطربًا كزماننا، كذلك الحاجة إليه لم تكن ماسّة كما هي عليه اليوم.
المصدر:
The Cross of Redemption: Uncollected Writings - James Baldwin (Author), Randall Kenan (Editor)