top of page

صقيع

محمد الراشدي

طرأ له والعمال يحملون المكيف الجديد لغرسه في الجدار، أن يطلب منهم تركيب المكيف مقلوبًا؛ واجهته التي تنفث الهواء البارد للخارج، وخلفيته التي تطرد الهواء الساخن داخل الغرفة!
تخيل لدقائق فكرة أن يفعل بقية سكان المدينة شيئًا مماثلًا.. آلاف المكيفات ستنفث الهواء البارد في أحياء المدينة وشوارعها وأزقتها.. حتما سيطرأ اعتدال كبير على الطقس.. ستغادر الحرارة دروب المدينة وتحل محلها نسمات باردة، وربما يتطور الأمر فيتراكم الثلج في الدروب.. سيكثر مكوث الناس خارج بيوتهم.. سيلتقون ويبتهجون معًا، ويجربون متعًا جديدة مختلفة، كالتراشق بكرات الثلج، ورياضة التزلج وأناقة المعاطف الشتوية التي لا يرتديها أحد هنا.. ولو استمر الأمر ستظهر الأيائل في مخاتلات تغري بالركض خلفها واصطياد السانح منها!
في المقابل ستصبح المنازل أفرانًا ساخنة، لكن أحدًا لن يكترث غالبًا؛ لأنه لا معنى للبقاء في المنازل بينما الشارع يزدحم بكل تلك المباهج والمتع، والحريصون على الإقامة في منازل تخصهم سيبنون أكواخًا ثلجية كتلك التي تظهر في وثائقيات القطب الشمالي.. وستصبح المنازل القديمة مزارات مؤقتة لأولئك الذين ينشدون الدفء في غرفها الساخنة...
أفاق من خيالاته وقد غادره العمال، والمكيف يحيل الغرفة إلى ثلاجة رحبة.. خرج من الغرفة يلتمس دفئًا في الممر.. ثم في الصالة.. ثم في الغرفة المجاورة.. لكن الصمت والبرودة كانا يستعمران البيت كله، ولا أثر للدفء في أي ركن!

محمد الراشدي هو قاص وناقد. له ست إصدارات في القصة القصيرة، والنقد الأدبي، والكتابة الساخرة. حائز على أربع جوائز أدبية في مجال القصة. آخر إصدارته مجموعة قصصية بعنوان سقف مستعار. يمكن متابعة حسابه على تويتر rashdi29@

bottom of page