top of page

حول العالم في اثنين وسبعين يومًا

نيلي بلاي
ترجمة: فاطمة الحارثي


من أين جاءت الفكرة؟
من الصعب أحيانًا أن نحدد بالضبط ما الذي يولد فكرةً ما . الأفكار هي السلعة الرئيسية التي يتاجر بها الصحفيون، ومع هذا فهي الأقل انتشارًا في السوق، لكنها تأتي بين الفينة والأخرى. جاءتني هذه الفكرة يوم الأحد بعد أن أمضيت معظم اليوم ونصف الليل في محاولة يائسة لاقتناص فكرة لمقال صحفي. جرت العادة أن آتي بفكرة كل يوم أحد وأقدمها للمحرر يوم الإثنين ليوافق عليها أو يرفضها، ولكن الأفكار لم تأتني ذلك اليوم. حوالي الساعة الثالثة فجرًا، ومع إرهاق التفكير وانزعاجي من عدم الوصول لفكرة واحدة ، قلت لنفسي:
" أتمنى لو كنت في الجزء الآخر من الأرض."
"ولم لا؟، لم لا أقوم برحلة نحو العالم؟ فأنا بحاجة لعطلة."
برقت الفكرة، ووجدت من السهولة تتبع الأفكار التي تلتها، إذ إن فكرة القيام برحلة حول العالم أسعدتني، مما حفزت مزيدًا من التأملات وقلت لنفسي:
" سأذهب إن تمكنت من الذهاب حول العالم بسرعة كما فعل فيلياس فوغ." ثم تساءلت فيما إن كان من الممكن حقًا القيام بالرحلة في غضون ثمانين يومًا. نمت بسهولة مع قراري بألا أقترب من السرير مرة أخرى إلا ومعي معلومة إمكانية تحطيم الرقم القياسي لفيلياس فوغ. ذهبت لمكتب الرحلات البحرية وكتبت قائمة بجدول الرحلات الزمنية. جلست بقلق أتفحص الرحلات وأحسب المسافات ولو أنني وجدت إكسير الحياة لما شعرت بمزيد من الارتياح عندما تصورت أنه بإمكاني إتمام الرحلة في أقل من ثمانين يومًا.

في اليوم التالي، اقتربت من مكتب المحرر وأنا مترددة بشأن الموضوع. كنت خائفة من أن يعتبر الفكرة جنونية وغير عملية.
"هل لديك أي أفكار؟" سألني ريثما هممت بالجلوس قرب مكتبه.
"فكرة واحدة" أجبت بهدوء.
كان يلعب بالأقلام ينتظرني أن أستمر في الحديث حتى نطقت فجأة:
"أريد أن أذهب في رحلة حول العالم"
"حسنًا؟
نظر إلي مستفسرًا وعيناه ترقب المزيد من التفاصيل.
"أريد أن أنجزها في ثمانين يومًا أو أقل. أعتقد أنه بإمكاني سحق رقم فيلياس فوغ، هل يمكنني المحاولة؟
أصبت بالإحباط حين أخبرني أنه سبق أن خطرت لهم هذه الفكرة من قبل، ولكن النية كانت إرسال رجل. واساني حين قال أنه يفضل ذهابي، ثم اتجهنا لمكتب المدير لنناقشه في الموضوع.
"مستحيل"
قال لي المدير بلهجة قاطعة، "أولًا، لأنك امرأة وتحتاجين إلى من يحميك. حتى ولنفترض أنه بإمكانك السفر بمفردك، ستضطرين إلى حمل الكثير من الأمتعة وذلك سيعيقك من إجراء تغييرات سريعة. ثانيًا، أنت لا تتحدثين إلا اللغة الإنجليزية، فبالتالي لا توجد فائدة من الحديث في الموضوع. لن يستطيع أحد إجراء هذه الرحلة إلا رجل."
"سنرى،" قلت بغضب، "ابدأ الرحلة برجل، وسأبدأ أنا في نفس اليوم مع صحيفة أخرى، وسأهزمه."
"لا أشك في ذلك،" قال بمهل.
لا أعلم إن كان حديثي له أي تأثير على قرارهم، ولكني أعلم أنه قبل خروجي من مكتبه كنت سعيدة جدًا بوعده أنه إذا تم تكليف أي شخص بالقيام بالرحلة، فسيكون أنا. بعد أن قمت بترتيباتي للذهاب، ظهرت مشاريع أخرى مهمة لجمع الأخبار، وتم تأجيل هذه الفكرة الحالمة.

في مساء بارد وممطر بعد عامٍ من هذا النقاش، تلقيت مذكرة صغيرة تطلب مني الحضور إلى المكتب على الفور. كانت الاستدعاءات، في وقت متأخر من بعد الظهر، شيئًا غير معتاد بالنسبة لي، لذا لا ألام إذا قضيت كل وقتي في الطريق إلى المكتب أتساءل عن سبب التوبيخ.
دخلت وجلست بجوار المحرر مترقبة حديثه. نظر إلي من الورقة التي كان يكتب عليها وسأل بهدوء:
"هل يمكنك البدء في جولة حول العالم بعد غد؟"
"يمكنني البدء في هذه اللحظة،" أجبت، محاولةً بسرعة إيقاف نبضات قلبي السريعة.
"كنا نفكر في بدء رحلتك على متن السفينة المتجهة إلى باريس صباح الغد، لتتمكني من الحصول على وقت كافٍ للوصول إلى قطار خارج لندن. هناك فرصة لفشلك في الوصول إلى قطار لندن في حالة كانت أوغستا فيكتوريا التي تبحر في الصباح التالي، تواجه طقسًا عاصفًا."
"سأخاطر بالرحيل على متن أوغستا فيكتوريا، وأوفر يومًا إضافيًا."
في الصباح التالي، ذهبت إلى غورملي، خياط الملابس الراقية، لطلب فستان. وصلت بعد الحادية عشرة صباحًا ولم يستغرق الأمر سوى لحظات قليلة لأخبره بما أردت. أشعر دائمًا بالراحة بأنه لا شيء مستحيل إذا وجه أحدهم كمية معينة من الطاقة في الاتجاه الصحيح. عندما أريد إنجاز الأمور، وهي دائمًا في اللحظة الأخيرة، وأواجه إجابة من نوع: "الوقت ضيق جدًا. لا أعتقد أنه بالإمكان القيام به؛" أقول ببساطة:
"هراء! إذا أردت القيام به، يمكنك القيام به. السؤال هو، هل تريد القيام به؟"
لم أقابل حتى الآن رجلاً أو امرأة لم يحفزهم هذا الجواب لبذل قصارى جهدهم. الشك عند أداء مهمة ما يعرقل الحصول على نتيجة جيدة سواء من قبل أنفسنا أو الآخرين. لذا، عندما ذهبت إلى محل غورملي، قلت له:
"أريد فستانًا بحلول هذا المساء."
"حسنًا، كما أردت."
أجاب بلا اكتراث كما لو كان الأمر اعتياديا أن تأتي له امرأة شابة تطلب فستانًا لينجز خلال ساعات.
"أريد فستانًا يتحمل الاستخدام المستمر لثلاثة أشهر،" أضفت، ثم تركت المسؤولية على عاتقه.
بعد أن أخرج أقمشة مختلفة، رماها في طيات فنية على طاولة صغيرة، وعاينها أمام المرآة التي كان يقف أمامها. لم يبد عصبيًا أو مستعجلاً. طوال الوقت الذي كان يعاين فيه تناسق الأقمشة المختلفة، استمر في محادثة حيوية ممزوجة بالفكاهة. في غضون لحظات قليلة، اختار قماش الصوف الأزرق السادة وقماش اللون الجملي المخطط الهادئ كأفضل مزيج لرداء مريح ويتحمل السفر.
قبل مغادرتي، في حوالي الساعة الواحدة، أجريت البروفة الأولى للفستان. عندما عدت الساعة الخامسة لتجربة الفستان مرة ثانية، كان الفستان قد اكتمل. اعتبرت هذه السرعة والدقة في العمل علامة جيدة ومتسقة تمامًا مع الرحلة.


بعد مغادرتي لمحل غورملي، ذهبت إلى محل آخر وطلبت معطفًا، ثم ذهبت إلى خياط آخر وطلبت فستانًا بخامة أخف لارتدائه في البلاد ذات الأجواء الدافئة.
اشتريت حقيبة يد واحدة التزامًا بحدود الأمتعة.
لم يكن هناك شيء يجب فعله تلك الليلة سوى كتابة بضع كلمات وداع لأصدقائي القليلين وحزم حقيبة السفر.


كان حزم الحقيبة أصعب مهمة في حياتي حيث الكثير من المتاع ليتم وضعه في مساحة صغيرة جدًا.نجحت في وضع كل شيء في النهاية باستثناء الفستان الإضافي. ثم تيقنت أنه يجب علي أحد الأمرين: إما إضافة صندوق إلى أمتعتي أو السفر حول العالم بفستان واحد. دائمًا ما كنت أكره الصناديق، لذا قررت التضحية بالفستان الثاني واستبدلته بقميص من الحرير. بعد مشقة تمكنت من ضغطه داخل الحقيبة.
أعتقد أنني من أكثر الفتيات الخائفات من الخرافات. قبل يوم من اتخاذ قرار الرحلة قال لي المحرر عن حلم سيئ كان قد رآه. جئت إليه في المنام وأخبرته أنني سأشارك في سباق. مشككًا في قدرتي كعداءة، استدار بظهره حتى لا يشاهد السباق واكتفى بسماع الموسيقى التي تصاحب تلك المناسبات، وسمع التصفيق الذي حظي به الفائز. ثم جئت إليه بعيني مملوءة بالدموع وقلت: "لقد خسرت السباق."


"أستطيع تفسير ذلك الحلم"، قلت عندما انتهى؛ "سأبدأ في جمع بعض الأخبار وسيفوز شخص آخر بالسباق."
عندما أخبروني في اليوم التالي أنه يتعين علي السفر حول العالم في أسرع وقت ممكن، أصابتني رهبة وكأنها نذير تفسير الحلم، خفت من أن الوقت سيفوز بالسباق ولن أتمكن من إجراء الرحلة في أقل من ثمانين يومًا. لم تكن صحتي جيدة. كنت مصابة بصداع يومي لمدة تقارب العام، وكنت قد استشرت عددًا من الأطباء المشهورين في الأسبوع السابق خوفًا من تأثر صحتي بالعمل المستمر. كنت أعمل في الصحافة لمدة تقارب الثلاث سنوات، خلال هذه الفترة لم أتمتع بإجازة ولو ليوم واحد.لذا ليس من المستغرب أنني نظرت إلى هذه الرحلة على أنها فرصة لأخذ راحة أحتاج إليها بشدة.


في المساء الذي يسبق بدء رحلتي، ذهبت إلى المكتب وتلقيت مئتي جنيه إسترليني من ذهب وأوراق نقدية. حملت الذهب في جيبي، ووضعت أوراق بنك إنجلترا في حقيبة صغيرة من الشامواه وربطتها حول عنقي. بالإضافة إلى ذلك، أخذت بعض الذهب والأموال الورقية الأمريكية لاستخدامها في الموانئ المختلفة كاختبار لمعرفة ما إذا كانت العملة الأمريكية معروفة خارج أمريكا.


في أسفل حقيبة يدي كان جواز سفر خاص، رقم 247، موقع من جيمس ج. بلين، وزير الخارجية. اقترح شخص ما أن آخذ مسدسًا كرفيق جيد للجواز، لكنه كان لدي اعتقاد قوي بأن العالم سيستقبلني كما استقبلته، لذا رفضت تسليح نفسي. كنت أعرف إذا كان تصرفي مناسبًا، فسأجد دائمًا رجالًا مستعدين لحمايتي، سواء كانوا أمريكيين، إنجليز، فرنسيين، ألمان أو أي شيء آخر.


كان من الممكن شراء تذاكر في نيويورك للرحلة بأكملها، لكنني اعتقدت أنه قد يجبرني الوضع على تغيير مساري في أي نقطة تقريبًا، لذا كانت التذكرة الوحيدة معي عند مغادرتي نيويورك هي تذكرتي إلى لندن. عندما ذهبت إلى المكتب لأقول وداعًا، وجدت أنه لم يتم إعداد جدول سفر لرحلتي المتوقعة، وكان هناك بعض الشكوك بشأن ما إذا كان القطار المتوقع أن أستقله إلى برينديسي، يغادر لندن كل ليلة جمعة. ولم نعرف أيضًا ما إذا كان الأسبوع الذي كنت أتوقع وصولي إلى لندن هو نفس الأسبوع الذي تغادر فيه السفينة متجهة إلى الهند أو الصين. في الواقع، عندما وصلت إلى برينديسي واكتشفت أن السفينة كانت متجهة إلى أستراليا، كنت الفتاة الأكثر إندهاشًا في العالم.


ذهبت بصحبة رجل تم إرساله إلى مكتب رحلات السفن لمحاولة وضع جدول زمني ومساعدتهم في ترتيبه بأفضل ما يمكن على هذا الجانب من الماء. سنرى مدى اقترابه من الصواب فيما بعد.تم طرح السؤال عليّ كثيرًا منذ عودتي عن كمية الملابس التي أخذتها في حقيبتي اليدوية الوحيدة. اعتقد البعض أني لم آخذ سوى واحدًا؛ بينما اعتقد آخرون أنني حملت حريرًا فقط كونه لا يشغل مساحة كبيرة، وسأل آخرون ما إذا كنت لم أشتري ما أحتاجه في الموانئ المختلفة.
لا يعرف المرء أبدًا سعة حقيبة اليد العادية حتى تجبره الحاجة الشديدة على استخدام كل ذكائه لتقليص كل شيء إلى أصغر حجم ممكن. في حقيبتي، تمكنت من تعبئة قبعتين للسفر، وثلاثة أوشحة، وزوج من الشباشب، ومجموعة كاملة من مستلزمات الحمام، وحامل حبر، وأقلام، وأقلام رصاص، وورق نسخ، ودبابيس، وإبر، وخيوط، وروب نوم، وسترة تنس، وقارورة صغيرة وكوب شرب، وعدة تغييرات كاملة للملابس الداخلية، وإمداد سخي من الشرائط ومناديل اليد، والأكثر حجمًا وتحديًا من كل شيء، قارورة كريم بارد للحفاظ على بشرتي من الجفاف في المناخ المتنوع الذي قد أواجهه.
قارورة الكريم هي العذاب الذي زاد على معاناتي. بدا أنها تشغل مساحة أكبر من كل شيء آخر في الحقيبة وكانت دائمًا تنتهي في المكان الذي يمنعني من إغلاق الحقيبة. كنت أحمل على ذراعي حقيبة مقاومة للماء مصنوعة من الحرير، وهي الوسيلة الوحيدة التي اتخذتها لمواجهة الطقس الممطر. أظهرت التجربة أنني أخذت كمية كبيرة بدلاً من كمية قليلة من الأمتعة. في كل ميناء توقفت فيه، كان بإمكاني شراء أي شيء من فستان جاهز إلى أي شيء آخر، ما عدا في عدن. ربما لأنني لم أزر المتاجر هناك.
غسيل الملابس أمر أزعجني كثيرًا قبل بدء الرحلة. كنت قد أعددت نفسي بناءً على الافتراض بأنه سيكون بإمكاني الحصول على خدمة غسل الملابس من قبل امرأة مرة أو مرتين خلال رحلتي. كنت أعلم أنه من المستحيل غسل الملابس على متن القطار، لكن أطول رحلة بالقطار كانت اليومين التي قضيتها بين لندن وبرينديسي، وأربعة أيام بين سان فرانسيسكو ونيويورك. على متن البواخر الأطلسية لا توجد خدمات غسيل. أما على متن البواخر الشرقية بين برينديسي والصين - التي يطلق عليها الجميع سفن بي آند أو - يقوم المسؤول عن الإمدادات والتموين بالغسيل كل يوم بطريقة تجعل أكبر مغسلة في أمريكا تنبهر. حتى لو لم يتم إجراء أي أعمال غسيل على متن السفن، فإنه في جميع الموانئ التي يتوقفون فيها، يوجد الكثير من الخبراء في انتظار فرصة لإظهار ما يمكن للشرقيين فعله في مجال الغسيل. ست ساعات هي وقت كافٍ بالنسبة لهم لأداء أعمالهم، وعندما يعدون بإنجاز العمل في وقت محدد، فإنهم ملتزمون بالدقيقة. ربما لأنه لا استخدام لفائض من الملابس عندهم، لكنهم يقدرون قيمة الأموال التي سيحصلون عليها مقابل عملهم. تعتبر تكاليفهم، مقارنة بأسعار الغسيل في نيويورك، منخفضة بشكل رائع.
هذا كل شيء بالنسبة لاستعداداتي. إذا كان المرء يسافر لمجرد السفر وليس لغرض إثارة إعجاب زملائه في الرحلة، فإن مشكلة الأمتعة تصبح بسيطة للغاية. في إحدى المناسبات - في هونغ كونغ، تم طلب دعوتي لعشاء رسمي - أسفت لعدم وجود فستان مسائي معي، لكن فقدان العشاء كان أمرًا ضئيلاً جدًا مقارنة بالمسؤوليات والمشاكل التي تجنبتها في غياب الكثير من الصناديق التي كانت تتطلب اهتماما أنا في غنى عنه.


نيلي بلاي (١٨٦٤-١٩٢٢) هي كاتبة وصحفية أمريكية. اشتهرت بتخفيها كمريضة نفسية لتكتب عن سوء تعامل المصحات النفسية مع المرضى مما أدى إلى تحسينات في ذلك القطاع، وبمذكراتها "حول العالم في اثنين وسبعين يوما" التي استقت إلهامها من رواية الكاتب الفرنسي جولز فيرن "حول العالم في ثمانين يومًا." احتفظت نيلي بالرقم القياسي لبضعة أشهر حتى حطمه رجل الأعمال الأمريكي جورج فرانسيس ترين في جولته حول العالم في ٦٧ يومًا.

© All Rights Reserved. Sard Adabi Publishing House 2024.

 جميع حقوق النسخ محفوظة لدار سرد أدبي للنشر©

bottom of page