الطاهي يقتل الكاتب ينتحر
للكاتب: عزت القمحاوي
مراجعة: حمود الباهلي
الدار المصرية اللبنانية
الطبعة الثانية، 2023
274 صفحة
يستعرض القمحاوي في كتابه شغفه بالكتابة والطهو معًا، حيث يعتقد أنهما توأمان، وكانا في البدء عملين أنثويين، "بسبب كل التشابهات بين الكتابة والطبخ، اعتقدت دائما أن الكتابة عمل أنثوي، وأن الكاتب الرجل بحاجة إلى وقت يقضيه في المطبخ لتأنيث روحه، تعويد حواسه على الرهافة، ومعرفة الاعتدال والقصد في طبخته الأدبية".
هو يعتقد أن الطاهي يقتل المكونات قبل طبخها، لكن الكاتب يختلف قليلاً عنه، فهو لا يقتل، بقدر ما ينتحر! يرى القمحاوي أن الروائي يكتب آلامه ومخاوفه هو في العادة؛ يمنح كل شخصية من شخصياته شيئًا من أفكاره، من ذكرياته، ومن أحلامه. ثم يبذل جهده أثناء الكتابة ليخفي أي أثر لحياته وملامحه، أي أن يتقن قتل روحه ليخلق منها شبحًا.
في المقارنة بين الطاهي والكاتب، يرى القمحاوي أن "الطاهي أفضل من الكاتب، فليس من الوارد أن يطبخ المرء لعدوه، إلا أن يكون أسيرا أو زوجة لرجل عديم الحب، أو خادما في بيت قليل الإنسانية، في غير هذه الاستثناءات القليلة، يظل الطبخ تعبيرا أمثل عن حب بلا خوف، وتحقيقا لرغبة في التواصل لا يشوبها تردد."
في هذا الكتاب لمحات من سيرته الشخصية، وتأملات نقدية للكثير من الأعمال الروائية. في الكتاب خمسة وعشرون فصلًا، يعرض فيها عددًا من الأعمال الأدبية ويربط بينها وبين جانب من جوانب الطبخ. فمثلًا في فصل "حكمة الخفاء"، يتوقف القمحاوي قليلًا عند بعض الأكلات التي تخفي وصفتها، باعتبارها سرًا، كالفول الشعبي أو كاتشاب هارديز أو غيرها من أمثلة ذكرها وأسهب في تبيان خفاء وصفاتها وذكر معلومات عنها، لينتقل بعدها إلى عدد من الأعمال الروائية التي تخفي بعض الحقائق، مثل: كيف اختفت شخصية نور في "اللص والكلاب" مع أنها شخصية محورية في الرواية. وفي رواية "وقائع موت معلن"، والذي من المحتمل أن دم سنتياجو نصار قد أريق كذبا. أيضًا لا ندري ما التهمة في محاكمة كافكا وفي لجنة صنع الله إبراهيم.
وأكد أنه كما يجذب خفاء الوصفة البعض لأكلات معينة، كذلك يفعل خفاء بعض الحقائق في الرواية.
يبدأ القمحاوي فصله "يفضل بارتبلي لا" بذكر أنه لا بد من وجود تجانس بين مكونات كل طبخة. ثم ينتقل منها إلى رواية "يفضل بارتبلي لا" التي كان فيها تجانس بين شخصيات الرواية حتى ظهر بارتبلي بينهم، فتعطل هذا التجانس.
في فصل "حكمة الشكل" يبدأ القمحاوي بذكر أن العين تأكل قبل الفم، في إشارة لأهمية عرض الأكلة. ثم أبرز أهمية كيفية عرض الفكرة بالعمل الروائي، فهو يرى أنه بعد دون كيخوتي يوجد العديد من روايات المعارك الخاسرة مثل: "موبي ديك"، "العجوز والبحر"، و"اللص والكلاب". وبعد "مدام بوفاري" كتبت روايات خيبات العشق مثل: "آنا كارينيا"، "عشيق الليدي شارلتي"، و"الوله التركي." لكنه يعقب بأن الشكل الجديد يعيد إحياء المعنى.
توقف المؤلف طويلًا عند دور التوابل في الطبخ وفي الكتابة كذلك. فهو يرى أن توابل الكتابة هي كل ما ليس أساسيًا في الكتابة. مثل: التضمين الشعري، التضمين المعرفي، الشخصية الفرعية، والقصة الفرعية القابلة للاستغناء. هذه التوابل تحتاج إلى تعامل خاص حتى لا تفسد العمل.
انتقد القمحاوي الروايات الضعيفة فنيًا التي لاقت رواجًا عاليًا، حيث حدد ثلاث حشوات تتميز بها روايات "الكتش" كما أسماها. فالحشوة الأولى هي اعتماد الرواية على الخيال المفرط والحركة المفرطة والحياة البراقة؛ مثل أعمال هاروكي موراكامي. والحشوة الثانية هي التي تغرق القارئ بالمعلومات غير المهمة؛ وأشهرها روايات دان بروان. وأما الحشوة الثالثة فهي المائلة نحو التصوف والرهبنة، وأبرزها روايات باولو كويلو وإليف شافاك.
في فصل "الطبخة اللا منتهية" يتتبع القمحاوي النشرات المتعددة والمختلفة لنص "ألف ليلة وليلة" واختلاف النقاد في نسبة القصص إليها، وتفاوت المترجمين بين من يلتزم بنصها الأصلي وبين من يعيد كتابة النص ليتفق مع الفصحى. هو يميل إلى رأي بورخيس في إعطاء الرحابة لتدخلات المترجمين في نص ألف ليلة وليلة.
ولو خرجنا بعصارة من الكتاب لقلنا أنه: "بالحكاية والطبخ تمكن البشر من استئناس بعضهم بعضا، وصارت لدينا مجتمعات بشرية.. سيظل وقت الطبخ وتناول الطعام وقتا للحكاية، وسيظلان معا أهم مقومات التماسك الاجتماعي لدى أية جماعة بشرية."
عزت القمحاوي هو صحافي وروائي مصري. أصدر سبعة عشر كتابًا بين الرواية والقصة وغيرها، ويكتب المقالات الأدبية والسياسية في عديد من الصحف. عمل مديرًا لتحرير جريدة أخبار الأدب ومجلة الدوحة. فازت روايته "بيت الديب" بجائزة نجيب محفوظ عام 2012 وترجمت رواياته لعدد من اللغات مثل الإنجليزية والصينية والإيطالية.