top of page

رأس نفرتيتي


للكاتبة: مها حسن
مراجعة: عمر الجضعي


رواية
رف للنشر، المملكة العربية السعودية
الطبعة الأولى 2023
148 صفحة

سلسالٌ يتدلى منه تمثال صغير لرأس نفرتيتي. لمحته أسمهان مقيدًا على عنق سيدة فرنسية وهي في رحلتها إلى القاهرة على متن الخطوط المصرية. وبعد لحظات أنقذتها هذه السيدة، الدكتورة كاميليا، حين فقدت أسمهان الوعي. جلست الدكتورة كاميليا إلى جوارها. تقول أسمهان عنها: "كأن قرابة ما جمعتنا في لحظة إنسانية." ثم نشأت صداقة بينهما، بعد نزولهما في القاهرة، قائمة على حب الأفلام المصرية القديمة.
السلسة التي على عنق الدكتورة كاميليا أنعشت ذكريات أسمهان. حكت عنها تقول: "ورأس نفرتيتي يحرك صورًا كثيرة في ذاكرتي.." عادت إلى طفولتها تتذكر سلسالًا شبيهًا بهذا كان على عنق أمها قبل خمسين عامًا، "لطالما ارتبطت لدي، حالة الرضاعة، بما تمثله من شبع وحنان معًا، برأس نفرتيتي."
تحكي أسمهان، بطلة الرواية، قصتها من خلال حبها للأفلام منذ صغرها، وأثر السينما على كل شيء حولها، وكل أحد حولها كذلك. ثيمة الرواية هي سينمائية بامتياز، وعناوين فصولها الستة والثلاثون تعلن ذلك بوضوح؛ فالعناوين هي أسماء أفلام سينمائية أغلبها مصرية وبعضها عالمية.كما تحكي عن أيامها في القاهرة ولقائها بكاميليا، وبناديا صديقة طفولتها وصباها، التي غادرت سوريا ولم تتمكن من الإقامة معها في فرنسا. خلال إقامة أسمهان في الفندق في وسط البلد، حكت عن حياتها في حلب قبل انتقالها إلى فرنسا، وعن الناس القريبين منها، والذين كانوا مشابهون لممثلين وممثلات في تلك الأفلام القديمة، حتى قالت عن المصريين: "حين أتحدث إلى مصري، أعتقد أنني داخل السينما. لا أتخيل أن اللغة المصرية هي أداء يومي عادي، يمارسه الشعب المصري بتلقائية، وأنهم لا يمثلون."
تناولت الرواية الحب وبواعثه، وأهمها السينما، فكانت الأحداث وسرد خلفية حياة أسمهان، وصداقتها الحديثة مع كاميليا، والقديمة مع ناديا، مرتكزة على الحب الذي نشأ بسبب الأفلام وتشابه أبطالها بالناس من حولهم. أفصحت أسمهان عن هذا في أحد حواراتها مع كاميليا قائلة: "السينما ورطتنا بالزواج!"
تحيّة جارتهم في حلب، أم ناديا ورشدي، هي أول من حببها بالسينما. بيتها كان مختلفًا عن بقية بيوت الحارة، تقول عنه: "كأنني أدخل استديو تصوير سينمائي... أنتقل من كادر عادي، عبر الحارة وبيوتها، لأدخل في كادر مختلف، في بيت أم رشدي."
ذكرت أسمهان كرهها للأفلام المدبلجة، في "أن ينطق ممثل أمريكي بكلام فرنسي، أو ممثل فرنسي بكلام إيطالي، أو ممثل عربي بكلام ألماني..." جاء هذا أثناء حديثها عن علاقتها بـ"تيري" الذي تعرفت عليه في فرنسا وعاشت معه لخمس سنوات. كان مهووسًا بها وأحبها، إلا أنه لم يستطع نطق كلمة "بحبك" الأصلية. "كان حرف الحاء سببًا لسقوط الخيال..." صار تيري ينطق كما الأفلام المدبلجة التي تثير فيها مشاعر الضيق والقلق.
أخلصت الكاتبة مها حسن، بذكاء، في ربط الدال بالمدلول في العناوين الفرعية وما يحويه كل فصل. ففي بعض الفصول تكون الدلالة واضحة: مثل فصل "لحن الوفاء" والتي كانت أسمهان تحكي فيه عن سائق تاكسي في القاهرة يشبه حسين رياض الذي مثل مع عبدالحليم حافظ في فيلم "لحن الوفاء." بعض الفصول تكون الدلالة فيه رمزية: مثل فصل "الزوجة 13" وحالة الإغماء التي حدثت لها في الطائرة، وكأن في هذا مشابهة لحالة شاديا التي كانت تدعيها في الفيلم كلما نامت. وفصل "فتى أحلامي" غلبه موهبة محيي الدين الذي أحبته في صباها. وأما فصل "وداعًا بونابرت" فكان فيه ذكر وداع حبيبها الأول حين تركها أيام إقامتها في حلب.
أغلب فصول الرواية تتراوح بين الصفحتين والثلاث صفحات لكل فصل. وكأن التنقل بين الأزمان والأماكن حرًا دون ترتيب بين الفصول، إلا أن قصص حب البطلة وخيباتها كانت محكية على نفس ترتيب حدوثها.
وأما اللغة السردية، ففيها خفة قائمة على مجاز السينما واستعارة المشاهد البصرية. أمعنت أسمهان، راوية الحكاية، في التنقل بين الأزمان والأماكن، وبين وجودها في القاهرة إلى أيام نشأتها في حلب وأحيانًا إلى إقامتها في فرنسا. يحفزها للتذكر كل ما رأت ما ينعش ذاكرة السينما عندها، وتضرب أحيانًا عن سرد ما يهيج ذاكرتها؛ كحال من يتذكر أمرًأ ماضيًا ثم يقرر الإعراض عنه.
رغم كل بواعث التذكر الذي تمر به البطلة، وما يذكرها رغمًا عنها، إلا أن حبكة الرواية تمر بسلسلة تصاعدية منذ لقائها بالدكتورة كاميليا إلى تجولها في أحياء القاهرة والأحداث التي مرت فيها مع ناديا ومع كاميليا، ثم الحب الذي نشأ في القاهرة مع كل تعقيدات ظروفه.
شغل موضوع المنفى والاغتراب همًا عند الكاتبة لهذه الرواية، وكرست اللا انتماء عند شخصياتها. فالشعور بالمنفى الدائم كان ملازمًا للبطلة. منذ غادرت حلب إلى فرنسا وهي تعيش هذه الغربة. لأسمهان عبارة حكتها لحبيبها: "صار المنفى جلدتي وانتمائي.."

مها حسن صحافية وروائية سورية، ولدت في حلب وتقيم في فرنسا. لديها أكثر من عشر روايات، ورشحت لها روايتان ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، وهي رواية حبل سري (عام 2011) ورواية الروايات (عام 2015)

bottom of page