top of page

آن الأوان لترحل

شعاع القاضي


استيقظت الساعة الثانية عشرة ظهرًا وأنا أركض. التقطت أنفاسي بعمق لأُدرك أنني كنت أحلم. أغمضت عيني بقوة، ثم تأملت المكان من حولي. ذلك المقعد الذي أمام سريري، من الذي يجلس هناك؟ أخذت الدهشة تملؤني وأنا أرى الوحش الهلامي الأخضر يحدق بي وعلى وجهه ابتسامة الظفر. كيف ولماذا أتى؟ قفزت من مكاني وتفحصت النافذة جيدًا. نعم، لقد أحكمت إغلاقها بالمفتاح. إن كنت تتساءل من يغلق نافذة بمفتاح، فتلك أنا. خرجت من باب الغرفة متجاهلة وجوده، لكنه لحق بي. أعلم أن لا أحد يراه غيري. هو يسكن أفكاري، يأكل معي، يراجع يومياتي، ويجلد مشاعري آخر اليوم. عندما غاب بالأمس سُعدت، وظننته رحل للأبد. لكنه اليوم زارني مبكرا يردد علي كيف أستخدم الماء وما إن مسحت يدي للمرفقين جيدًا، هل تمضممتُ قبل غسل اليدين أم بعدها. أعيد الوضوء وهو في المرآة يراقبني. في الغرفة، انتقل للسقف. تأكدت من أن باب غرفتي لا زال موصدًا. الباب خلفي، وبالأعلى لا يزال هو يحدق بي. أردت أن أطلق صرخة لكن خشيت أن يسمعني أحد. أعلم أنهم لا يرونه. هم لا يهتمون بي ولا يصدقوني. أريد أن أختبئ من نفسي، لكن أين أذهب وأنا استيقظت للتو؟ النوم وحده وسيلتي التي تمكنني من الهروب منه. بدأت بصلاتي، وبكيت في سجودي، راجية إلهي أن يأخذه عني.
"لا أريده يا ربي، كنت بخير من دونه."
بعد العديد من النقاشات الداخلية المنهكة، خرجت من غرفتي. ما كدت أجلس حتى كان يراقبني ومعي قهوتي. يرعبني حتى بشربي للقهوة. القهوة تصفر الأسنان، صحيح أن شاربي القهوة أطول عمرًا من غيرهم، لكن حلاوة القهوة أن تشرب مع صديق أو كتاب. لا، لا تستطيعين إسكاتي بهذه الفيديوهات عن خرافة العقل اللاواعي والتوكيدات الإيجابية. يهمس في أذني:
"لن أغادر."
يخبرني أنني غير محبوبة، أن مجيئي للحياة كان رغمًا عن أنف لولب رحم أمي، أنه إن خيرت أسر العالم في الاستغناء عن أحد أفرادها، سيقع الاختيار علي. أهرب منه لغرفة أختي. أسمع صوته يهددني.
"إياك أن تنطقي بشيء."
تظهر علي ملامح الخوف والتوتر. أعلم أني مشدودة وقلقة. أعلم جيدًا منذ أن أنجبتني أمي وأنا يُملى علي قوانين البيت والمدرسة والأماكن العامة، حتى أصبحت لصيقة الجدار. مرعبة هذه الحياة التي تقاس بالمسطرة. تخبرني أختي من وراء لوحتها أن الألوان تنقلها لعالم آخر، وهو يأخذ كل كلمة من فيه أختي ليحولها إلى فكرة مرعبة. آه العديد من الأفكار، بل آلاف السيناريوهات التي لا أصل لها.
ذهبت لغرفتي، وهو يتبعني كظلي. قمت بالبحث عن علاج من هذه الأفكار. ظهرت لي عدة أبحاث. قرأتها كلها، وأنا أتساءل:
"يا ترى هل أستعين بصديقة؟ أو أخصائي؟"
همس لي أنه عند مشاركة أفكاري، ستصبح واقعًا. تراجعت. بكيت كثيرًا وأنا أتساءل:
"لماذا لا يرحم؟ لماذا يرافقني؟ لماذا هو سيد المكان؟ لماذا أسمع له؟ لماذا يقف ويشاهد؟ لماذا لا يرحل؟ من سمح له أن يدخل؟ من أنار الطريق له؟ من أين أتى؟ لماذا أقضي آخر سنواتي بالعشرينات هكذا؟ من ألوم على هذا الحال؟"
ينظر إلي بتشفي، وصوته برأسي وهو يردد:
"لن أرحل. لن أرحل."
تخطر ببالي فكرة فتح النافدة، أو إنهاء تطريز وردة اللافندر التي بدأتها من عام ونصف، لكنه يخطف الأفكار من ذهني ويكومها، ثم يقذف بها في سلة المهملات. لا أعلم كيف يفعل ذلك. أمسك بكتاب، ويخبرني صوته أن أضع الكتاب جانبًا.
"توقف وارحل عني."
صرخت بقوة، حتى أن أختي جاءت لغرفتي ركضًا – فرشة الألوان لا تزال بيدها.
"هل أنت بخير؟"
أهز رأسي وأشعر بقوة لم أعهدها. أراه يتضاءل حتى أصبح بحجم النملة ثم اختفى تدريجيًا. لم أكن أعلم أن التحدث بصوت مسموع هو أول خطوة لاختفاء الوسواس.

شعاع القاضي هي كاتبة ومترجمة.

bottom of page