نصفُ ابتسامة
أسماء عوض
تعاني الآنسة "سين" من مشكلة عدم اكتمال الابتسامة. ليس لأن الآنسة عافت الحياة -لا سمح الله- أو أنها لا تجد ما يستدعي انقباض عضلات شفاهها من أجله، فهي كسائر البشر تضجر مرات وتنتعش مرات. غير أن تلك الابتسامة تشير دومًا للجهة الخاطئة، مثل إبرة بوصلة تاهت عن الناحية الشمالية. إن تعمقت في النظر لصورها الملتقطة ستلمح تلك الابتسامة النصفية، ستتعجب من هويتها، فلا أنت بالقادر على تصنيفها سعيدةً كانت أم حزينة. يصيبك التيه أكثر كلما تعمقت في التأمل.
حاولت الآنسة سين علاج المشكلة، إذ شعرت بضرورة ملحة بأن تبقي ابتسامتها قريبة المظهر بمن هم حولها. نوع من الاطمئنان المستمد من التشبه بالجماعة، فهي لا ترى بونًا شاسعًا في الامتثال لما تقتضيه المصلحة العامة والانصياع لرغبتها الخاصة. مشت مطرقةً الخطى نحو من ظنّت تملكه مفتاح الحل. تدفع نفسها للسير كالمضطر الذي واجه منحدرًا لا قرار فيه لنصل معها إلى مكتب المسؤول عن حل المعضلة. برز الشخص المنقذ بالبالطو الأبيض يتهادى بمشيته كمن أراد أن يوهم من أمامه ثقته المفرطة بعلمه الجامع لبواطن الأمور وسرعة الحلول. ولعله نَعْت يتصف به معشر الأطباء بمختلف تخصصاتهم ومهاراتهم الحياتية المطبوعة بسِمة الإنقاذ. وهي هنا، أي الآنسة سين، تصاب بالعمى ناحية ما يقوله الأطباء لا تجادل قراراتهم ولا تشكك مزاعمهم. باحت له بما يثقل كاهلها. صدحت بكل الكلمات الممكنة، وطالت مدة الحديث لزمن لم تتنبأ به. هُيئ لها أن الحديث تحور لصدى يطوف جدران الغرفة الأربعة، إلا أنه ملّ من تلك الحركة الدورانية ليعود لها منهكًا.
اعتدل المنقذ في جلسته، ورُسمت على ملامحه هيئة المتعجب لما سمع رغم محاولته الحثيثة لحجب ذلك الأمر. أراد ألا يكدر روحها بالتنقيص من فداحة مشكلتها. نطق بتلك الجملة على عجل:
"على الأقل تسمى ابتسامة."
لم يعجبها الرد، لتكسر معها قدسية علاقتها مع الأطباء.
فضلت الهروب عن طريق الخروج.
سارت في الفضاء الرحب للمدينة. مشت بخطى متسارعة. أطالت في مشيتها. مشت ومشت ومشت. هامت بوجهها في الشوارع مرتدية كعبًا مدققًا والذي لو علمت عن شكل نهاية لقائها بالطبيب لما انتعلته منذ البدء. لمحت رجلًا عرفته على الفور. إلا أنها تساءلت عن هويته. نقيض ومنقوض تكالبا عليها في ذات اللحظة. تعرفه ولا تعلم من هو. أطالت النظر إليه بطريقة تصيب المُراقَب بالانزعاج. استمرت في تأمله غير آبهة بانزعاجه، إلا أنها لمحت ابتسامة عريضة احتلت مساحة واسعة من وجهه رغم عدم محاولته إطلاقها. برقت بداخلها فكرة أن يكون سارق بغيض التهم تلك الابتسامة من شفاهٍ يعرفها، أو لعلها كانت ملكها.
أسماء عوض مدونة وكاتبة مقالات وقصص قصيرة سعودية من الرياض. تكتب في مدونتها فيرنفيه حيث تنشر فيها تدوينات ومقالات وقصص قصيرة. يمكن متابعة حسابها على تويتر @Asma_awadh