قراءة حول رمز غودو عند عبد العزيز المقالح ونزار قباني
أنوار الفرس
تطغى على قصيدة المقالح (في انتظار غودو) فكرة الجوع، وتترتب عليها فكرة انتظار غودو من أجل الخلاص من الجوع والفقر؛ فقد تكررت لفظة الجوع أربع مرات في القصيدة (كلاب الجوع - لن تجوع - لن يعرف الأطفال والرجال جوع - أيّ جوع)، أما فكرة الانتظار فقد وردت في النص مرتين (مهما لج الانتظار - لتطلقوا على الذين يهتفون في انتظاره كلاب الجوع).
ومن فكرة الجوع والانتظار يبرز موقف الثبات والأمل؛ فتقام مراسيم الانتظار أملًا بعودة المخلِّص، وتبرز فكرة الخلاص والمخلص الذي سيقضي على الجوع.
وتصطبغ فكرة المخلص بصبغة إلهية في بداية القصيدة (من السماء .. ربما)، ثم يستدرك الشاعر (من زبد الأمواج من رياح الأرض) ليقرب المسافة بين الشعب وبين المخلص.
ومن الممكن تصور موقف الشاعر من المدينة في هذه القصيدة؛ حيث وردت لفظة المدينة مرتين (حين تعيد للأم، وللمدينة الشباب - والأم والمدينة)، وهي تدل على أن الشاعر يرى مدينته تهامة قد شاخت وامتلأت فقرًا وجوعًا، ولن تستعيد شبابها إلا بعودة المخلِّص الذي لا يأتي؛ فالمدينة عنده حزينة فقيرة لا تُحسن الانتظار؛ لأنها تنتظر من لا يعود.
أما فكرة الانتظار عند نزار قباني فهي تعبر عن الضعف والاستسلام والبلاهة؛ فهو يصف المنتَظر بالمسافر الخفي، ويستدعي التاريخ من معارك وشخصيات دلالة على أنّ المنتظرين يتكئون على الماضي ليخلصهم، ويضفون عليه صبغة إلهية (يؤكدون أنه من أولياء الله) ليبرروا انتظارهم.
وغودو عند نزار معادل موضوعي للملك العادل الذي لا يأتي؛ فالملوك يتشابهون وكلما رحل ملك جاء ملك مثله.
وتظهر رموز التاريخ عند الشاعر مشوهة دالة على استكانة الشعب وضعفه واستغراقه في الماضي، وكأن الزمان توقف عند تلك الفترة، وتتكرر لدى الشاعر العبارات الدالة على توقف الزمن (من سنة العشرين ونحن مرصوصون في محطة التاريخ - من سنة العشرين ونحن كالدجاج في أقفاصنا - ساعاتنا واقفة - مكسورة منذ أتينا ساعة الزمان - الوقت لا يمر - وأصبحت أعمارنا ليس لها أعمار)، كما يبرز لديه عدّ الزمن (من سنة العشرين حتى سنة السبعين - خمسين يومًا تكررت مرتين) دلالة على عدم جدوى الانتظار.
وعند الشاعر ألفاظ الحيوانات (الدجاج - القرود - كلاب - الأرانب - الخرفان - الأبقار) دلالة على أن هذا الانتظار يمثل انتظار القطيع وهو انتظار غير واعٍ.
يتبين من خلال القصيدتين أن الانتظار عند المقالح أمل بعيد؛ فالفقر والجوع سكنا المدينة وقد شاخت، وهو يتعاطف مع شعبه المسكين ويكثر عنده بيان حال المنتظرين، والانتظار عنده مرتبط بالمستقبل، وتكرر لفظ (غودو) مرتين في القصيدة (جودو ... سجيننا يحفر ثغرة في الباب) و(ترقب "جودو" تستعد للخلاص) تعبيرًا عن موقف قومه وأملهم به، ويبرز لديه موقفه من المدينة.
أما نزار قباني فالانتظار عنده ضعف واستكانة، وهو مرتبط بالعودة إلى الماضي، ويكثر لديه وصف المنتظرين بالبلاهة وأنهم كالقطيع.
وتكثر عند نزار الشخصيات التاريخية، وشخصيات الحيوانات؛ فكانت الشخصيات التاريخية رموزًا للملك العادل المنتظر، والحيوانات معادلًا موضوعيًا للمنتظرين غير الواعين، ويبرز لديه موقفه من التراث ومن الزمن، ويتكرر عنده مقطع (ننتظر القطار) ثم يظهر مقطع (تعال يا غودو) في ختام القصيدة ليكون حاسمًا لموقفه من انتظار شعبه، وتكررت لفظة (غودو) عنده أربع مرات ليستعين به في إيقاظ الشعب من عبثية انتظارهم.( تعالَ يا غودو .. وخلّصنا من الطغاةِ والطغيانْ- تعالَ يا غودو .. وجفِّفْ دمعَنا- تعالَ يا غودو .. فقد تخشَّبتْ أقدامُنا انتظارْ- تعالَ يا غودو .. فإنَّ أرضَنا … ترفضُ أن تزورَها الأمطارْ)
أنوار الفرس من الكويت، مصححة لغوية في جامعة الكويت، حاصلة على ماجستير اللغة العربية من جامعة الكويت.