لنبدأ بالقول هو الحب، هو الوهم الجميل الأخضر، دين العالم، والأمل الذي يبقينا على قيد الوقت، الكلاسيكي الذي لا يبلى، والشباب الذي لا يشيخ، هو الأسطورة أو ما ترويه كل الأساطير، أول مقدس، وآخر جمرة نستطيع القبض عليها، زاد المتصوفة وحلم البغايا، هو ما تخدع به الرعايا حكامها، وهو ما يخدع به الحاكم التاريخ، يجعل الآن..أبداً، ويظل شهقة في رئة الأزل، غاية الزوجة، وكذبة الزوج، إضافة درامية لازمة في كل فيلم، والحبكة التي لا تقوم المسرحية إلا به. هو الحب لا يفسرهُ الشعراء كي لا تنضب المعاني، ولا يلمسه الفلاسفة كي لا يتبخروا، تمارسه العجوز الفلاحة، ويعجز عنه الفيزيائي المتحمس، كالحزن إلا قليلاً، كالفرح الذي لا يكتمل، يبدأ بالميل، ولا ينتهي، كسقوط آدم من جنته، به أصبح الضلع امرأةً، والبضعة ولدًا، تفشيه العيون، وأوضح ما يُرَى في الظلام، يسكن القلب تمامًا، ولا يخرج إلا على شكل دمعة، يمر ولا يستقر، لا تصله اللغة، هو المستتر خلف الكلمات، والحاضر في الصمت، نشبهه بنجمة حين ينام القمر، نشبهه بالقمر حين نرفع رؤوسنا في ليل السرى الطويل.
هو الحب صرخة داخل سجن الضلوع، وخفقان يزرع في كل عضوٍ قلبا، الأفضل أن تستسلم له لأنه لا يستسلم، أو تقاتل في جانبه لأنه المنتصر، رحيل الروح نحو الروح، وتواطؤ ضدين بينهما إدغامٌ بغنّة، يتسلل في غفلةٍ، ويندلع بغتةً، تعلم منه القلب الالتفات، وولّت شطره الجوارح، يطرق باب النفس بابتسامة، ويغادرها بندبةٍ في يمين القلب، إذا هربت منه قبض عليك، وإذا ذهبت أنت إليه هرب، كالماء تشكله الأوعية، وكالماء إذا امتلأ فاض، يشبه الموت إلا أن عذابه أطول، ويشبه الحياة إلا أنه في مكان آخر، إذا اقترب بَرُد، وإذا ابتعد أشعل نار القصيدة، تنوعت أسماؤه في مدارج السالكين، ولكنه هو هو كما تحسه لا كما تسميه، به تنفذ إلى الكينونة الكبرى، فيصبح الجسد جسرا، والحدس دليل الرحلة، لولاه لم يخرج العالم من عدم، ولولاه لم ننتظر إعدام العالم، استل العذوبة من العذاب، والوجد من الوجود، والشهوة من الشهية، يروي جفاف الصحراء، ويحيي البدوي في المهلكة، جعل عواء الذئب على البحر الطويل، وألبس الغزالة كعبها العالي، يشتد في الحرب حدّ أن يقبل الفارس سيفه، وينتشر في السلم لأنه والسلام صنوان، فكرته عصيّة، وغايته خبيئة، إذا أقصيناه لن نستطيع ابتداع أي نوع من الفنون، وإذا كرّسناه فلن نستطيع التعبير عنه بغير الفن.
هو الحب يرتطم بموظف في اجتماع مع متدربة مستجدة، يغري بوذيًا متسولاً يمد يده في شارع أكسفورد لعراقيةٍ لاجئة، يصطاد الطفلة البريئة في مشهد مقترح على اليوتيوب، يعود إلى عجوز في الثمانين كلما مرّت على طاولة لشخصين، يعض بنابه على مراهقة تسافر لأول مرة خارج مدينتها، يهتم بالجندي في حفل وداعٍ قبل الذهاب للحرب العظمى، يشغل طالب الدكتوراه في مناقشة بحثه مع مشرفة شابة، يحدث الجراح عن معاونتهِ في عملية قلب مفتوح، يشتت رسام البورتريه فيمن يرسم لا كيف يرسم، يجعل الشيخ الكبير يوزّع باقات ورد على أبواب اللواتي…، يتدخل في قاعة السينما فيجعل المشهد الأهم بين مقعدين وليس على الشاشة الكبيرة، وقد يستدرج "المطوّع" للاستماع "لمحمد عبده."