top of page

وصفة شعرية

أنور الخطيب

لا تكتب الشعر وقتَ الصقيع

اكتبه على ظهر ظهيرةٍ حامية

وأنت تمارس الحب مع امرأة لا تعشقها

عند تعشّقِ الحياة بالموت

والصهيل بالهديل

ستُرزق بعدها بقصيدةٍ طفلةٍ 

مزاجها زنجبيل

 

 
 

لا تكتب الشعر وقتَ التثاؤب

اكتبه عند نشوةِ الصباحِ وأنت بكامل فوضاك

قبل أن تغسل وجهك

أو تمشط شعرك 

أو تحتسي قهوتك 

قبل أن تدقّق في أثر الكونياك على لغتك

واستحم بعدها بلعنتك

 

 
 

لا تكتب الشعر في الظلام

اكتبه على شفة الفجر وأنت ذاهبٌ للمعركة 

قبل أن تطلق الرصاص عليك

في المسافة بين الزناد وإصبع قلبك 

وإن أُصبتَ اكتب الشعر قبل أن تموت بلحظة واحدة

قبل خروج الروح من جحرها نحو البيوت 

كي لا يُقال، مات والأبجدية ساجدة

 

 
 

لا تكتب الشعر على شاشة صمّاء

اكتبه في العراء ثم تعرّى

وارسم "الصدر" على قرنفلة الحبيب

و"العجز" على جذع العناق

لتبقى في شرفة الاشتياق

 

 
 

لا تكتب الشعر وأنت واعٍ

اكتبه في لحظة انتشائكَ بكْ 

في الدقيقة التي تسبق انتحارك

فالشعر والرعشة أكثر من توأمين

كل مفردةٍ حبلى بقبلة أو قنبلة

بصراخٍ أو ارتطامٍ

اصطحبها، واصعد إلى الجلجلة

 

 
 

لا تكتب الشعر بعد مأدُبة الأثرياءِ

اكتبه على معدة خاوية

وامض خفيفًا نظيفًا إلى تخمة عزلتك

تصدّق عليك بكسرة شِعرٍ 

وشكّل بما تبقى قصيدتَكْ

ستقرؤها العصافير في قِبلتك

وتهديك قطرة ماءٍ لقُبلتك

لتروي بها سنبلتك

 

 
 

لا تكتب الشعر على الحدود

اكتبه على جناح فراشة أمّيةٍ

واقرأ عليها ما تيسّر من دمك

طيّرها إلى وردةٍ في قريتك

ستشبّ نخلةً تسّاقط منها شهيتُك

اعبر الحدود عندها 

وازرع الأحلام حول قبر جدتك

 

 
 

لا تكتب الشعر في أي وقت

دعْهُ هائماً حول سُرّتك

يبحث عن صداك في صرختك

واكتبه إن وجدته في تلعثمِك

في ارتباك أناكَ في أبجديتك

في المسافة بين عينيك ودمعتك

في كل شيء محوته من محبرتك 

الشعر دخولٌ أبديٌ في ورطتك

خروج خالدٌ لفضاء جهلك

هو ارتباكُ لذّتك 

حيْرة المعتزل المنهمك

شهقة ُالصوفيّ الكافر في رقصتك

صلاةُ المؤمن النافر في يقظتك

الشعر أكثرُ من ألمٍ في فكرتك

أكبر من تأملٍ في ركْعَتك

الشعر أنتْ، حين تُصلبُ مرتين

على وجه خيمتك 

حين لا نازح إلا أنت في لغتك

تكتبها تلعنك

وتلعنها تعشقك

 أنور الخطيب هو روائي وشاعر وإعلامي فلسطيني، ولد في لبنان وحصل على ليسانس التعليم في اللغات الأجنبية، تخصّص لغة إنجليزية من جامعة قسنطينة في الجزائر، تفرّغ للعمل الصحفي لمدة 13 عاما في جريدة الاتحاد في أبوظبي ثم عمل في الأقسام الإعلامية لعدد من مراكز الدراسات والمؤسسات الرسمية في دولة الإمارات العربية المتحدة. فاز بالعديد من الجوائز الأدبية ونشر عددًا من القصص القصيرة والروايات والقصائد. من أعماله الروائية: الأرواح تسكن المدينة، رحلة الجذور، أبابيل. ومن دواوينه الشعرية: ألفة متوحشة، كلّي عاشق ونصفي غريب، المغيّب الناجي من التأويل.

bottom of page