top of page

نجوم متلألئة


أحب الليل المُقمر، وكذلك السماء المرصعة بالنجوم. في الماضي، عندما أكون في مسقط رأسي- في ليالي يوليو وأغسطس- وبينما أستمتع بالجو المنعش، أكثر ما كنت أحبه هو مشاهدة نجوم السماء المتلألئة المتناثرة. يمكنني نسيان كل شيء، بالنظر إلى السماء المزينة بالنجوم، وكأنني عدت إلى حضن والدتي.
قبل ثلاثة أعوام، عندما كنت في مدينة نان جنيغ، كانت هناك بوابة خلفية في المكان الذي أقطن فيه. كنت أفتحها كل ليلة، فأشاهد ليلًا ساكنًا. يكون حقل الخضروات أسفل قدمي، والأفق الأزرق المتسربل بمجموعة من النجمات فوقي. رغم أن ضي النجوم يبدو خافتًا في أعيننا، إلا أنها تشعرنا أن كل الأمكنة تشع نورًا.
حينها كنت أقرأ بعض الكتب المتعلقة بعلم الفلك، وتعرفت على بعض النجوم، وكأنهم رفقائي المقربين، الذين أتجاذب معهم أطراف الحديث دائمًا.
والآن، وبينما أنا في البحر، ألتقي كل ليلة -وجهًا لوجه- بالنجوم، التي ألفتها جيدًا. أستلقي على متن السفينة، فتلامس عيني السماء. تتدلى نجمات عديدة براقة من السماء داكنة الزرقة. عندما تتحرك السفينة، تتحرك معها النجمات، ومن فرط قربها، تبدو وكأنها حقًا على وشك التساقط. رويدًا رويدًا تزغلل عيني، وكأن عددًا لا حصر له من اليراع المضيء يطوقني متراقصًا.
ليل البحر لطيف، وهادئ وخيالي. وأنا أرنو إلى تلك النجوم الغفيرة التي أعرفها، كأنني أراها تغمز لي، أو أصغي إلى همساتها. في تلك اللحظة، أنسى العالم. أبتسم في أحضان النجمات، وأخلد إلى سبات عميق. وأشعر بنفسي وكأنني طفل صغير، ينام في أحضان أمه.
ذات ليلة، وأنا على متن سفينة في كولومبو دلني رجل إنجليزي على شخص ضخم يقطن السماء. أشار إلى هناك قائلاً: هذه النجمات الأربع المضيئة هي رأسه، والنجمات الأخريات التي تليها في الأسفل هي جسده، وتلك النجمات هي يده، وقدماه ويداه. وهناك ثلاث نجمات هي حزامه. وكما أشار الرجل، ظهر لي بوضوح ذلك الرجل الضخم الذي سكن الأفق. انظر، ها هو مازال يركض!

باجين( 1904-2005) من أشهر الكتاب في الأدب الصيني في القرن العشرين. ولد في مدينة شنغدو، وعاش في مدينة شنغهاي معظم حياته. كما أنه مترجم محترف. كتب العديد من الروايات والقصص القصيرة والمقالات والأعمال النثرية الهامة. قام بتوثيق ملامح المجتمع الصيني مطلع العشرينات، وصور ضعف المجتمع الإقطاعي من خلال أشهر أعماله، وهي ثلاثية "التيار الجارف": "العائلة، الربيع، الخريف"، والتي تحكي عن أربعة أجيال لعائلة إقطاعية كبيرة.

مي عاشور، مترجمة وكاتبة مصرية، تترجم عن الصينية والتركية. تخرجت في قسم اللغة الصينية وآدابها بجامعة القاهرة. ترجمت العديد من النصوص الأدبية عن الصينية والتركية، نشرت مجموعة من المقالات عن الترجمة والصين وغيرها من النصوص في الصحف والمواقع الأدبية المختلفة. شاركت في مؤتمرات دولية مختلفة متعلقة بالترجمة والأدب. وقدمت أكثر من ندوة حول الترجمة والأدب الصيني وغيرها. صدر لها: "كيف تجعل أبناءك يحبون الدراسة؟"، تأليف يانغ شيا، و"براعم الأمل:مختارات للشاعر الصيني وانغ جوه چن"، و "أزهار البرقوق: نصوص من الأدب الصيني المعاصر".، و"انتبه للسعادة" للكاتبة الصينية بي شو مين، و"قصاقيص كلام" تأليف مي عاشور، و"حلم مكسور" للكاتب التركي طارق طوفان وترجمة رواية "شكراً للحياة" للأديب فنغ جي تساي.

باجين
ترجمة: مي عاشور

bottom of page