حُجرة
اسم المؤلف: أمل الفاران
رواية،
دار أثر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ٢٠٢١
ثمان وثمانون صفحة
كيف يبدو شكل العالم من وراء عقل مشوّش، تسبح في أوعيته كائنات هامسة باستمرار، أو خطوات متقطعة تحاول اللحاق بنهاية حلم قبل أن تقطعه صرخة من الجسد المتعرق؟ في رواية "حجرة" تكتب أمل عن العوالم الكثيرة التي تغرق فيها مريم في حجرتها الجافّة. غمست أمل قلمها قبل الرواية في الطين وغسلته ببئر القرية متتبعة أسراب النمل بين الشقوق على الجدار الطيني.
تأخذنا أمل إلى أحداث من الزمن الغابر في رحلة وعرة تبدو بعضها غارقة في الضبابية كهلوسات مريم وقد تسطع أحيانًا كالنور فنغمض أعيننا من الدهشة كالفاجعة التي قسمت أجزاء الرواية إلى تواريخ بعد حدوثها.
معظم وجوه الشخصيات مبهمة ولم تحمل أسماء. كان لمريم الاسم ولقلة من الأشخاص التي تلاحقهم في ذهنها كأمها حصة وأختها موضي. لم يظهر صوت مريم الخارجي إلا في حوارات قليلة بينها وبين ابني موضي اللذان جاءا لرعايتها من الوادي. لم تعطيهم أمل أسماء، بل تركتهم يحلقون في ملكوت مريم ويقدمون لها يد النجاة مع محاولات حثيثة من بنت موضي لجرّ خالتها لدائرة المجتمع.
"مريم الجزء الناتئ في حلقة النساء.. النقطة التي توشك الدائرة أن تنفقئ فيها.. متنحية عن الأجساد المتقاربة.. بعيدة عن الحديث.. عن البكاء.. عن الضحك.. الضيفات طوال ساعة يعطين الفتاة ألسنتهن وترصد أعينهن خالتها.. تشفق البنت على مريم.. لو كانت مكانها ما احتملت نظراتهن."
تصور أمل حياة القرية، طرقها ونخيلها وكيف تحيك البيوت أستارها نحو الأسرار الدفينة فتقول عن خروج مريم في آخر الليل: "عاد بها قبل الفجر.. لم يلمحهما غير رجل واحد.. رجل واحد في البلدة قد يعني الناس جميعا." وبذلك تحكي تفاصيل عن العادات والتقاليد في القرية في أوقات خروج النساء، كما أنها نقلت مسميات بعض الملابس والأواني المنزلية المستخدمة في ذلك الوقت. قد يواجه بعض القراء صعوبة في فهم المسميات إلا أنه قد يتضح مضمونها لهم من السياق.
أيضًا، تحدثت في بعض المشاهد عن طقوس الأعراس والتجهيز لها من ملابس وصنع البخور للعروس وحجرتها.
مريم المصابة بعلة عقلية، تجد سلوتها في تأمل الأشياء البسيطة كشرب القهوة مع ابنة موضي وتأملها وهي تصنع البخور: "تحب رائحة البخور الطري.. تعد حباته التي تدحرجها البنت في الصحن.. تتابع رص حلقاته في الصحن.. تبدأ من محيطه للداخل.. تزعجها الكرات غير متسقة الحجم مع البقية.. تقاوم رغبتها في عجنها لتعيد البنت تشكيلها.. تخفي فرحتها.. لا يجوز أن يراها أحد.. لا تجرؤ على سؤالها إن كانت قد رأته ولا متى سيقام العرس.. تلاحظ البنت تقلقل خالتها.. تخبرها أن الأنفار سينتهون قريبا ترفع كرة مضمخة بالطيب.. تعدها بأن تهبها ملء علبة حين يجف.. تبهت مريم.. سيسرقون بخورها أيضا؟ تشد قدر البخور.. تضحك البنت.. تصحح وعدها: علبتين؟ أبشري!"
مريم لا تكف عن التيه في حجرتها، وابن وابنة أختها لا يكفان عن البحث عن حلول تعيدها للحياة، والمجتمع مترصدّ للأخطاء والهلاوس مستمرة بالتواجد في عقل مريم، مما يجعل الأحداث في الرواية لا تنحدر في اتجاه واحد نحو النهاية، بل تعيدك بعضها الى مواقف سابقة تتفشى في الذاكرة كبقعة حبر.
تعد "حُجرة" الرواية الرابعة للقاصة السعودية أمل الفاران، حازت روايتها روحها الموشومة به بجائزة الشارقة للإبداع العربي ٢٠٠٤، كما وصلت روايتها غواصو الأحقاف لجائزة الشيخ زايد. صدرت لها عن دار أثر مجموعة قصصية بعنوان الفتاة التي لم تعد تكبر في ألبوم الصور. كذلك أصدرت رواية كائنات من طرب و وحدي في البيت-قصص.
كتبت المعاينة هيفاء المحمادي .