حارسُ مرمى الانتظار
جاسم الصحيح
لِـيَ في الهوى مقدارُ ما للطينِ
من حِصَّةٍ بحكايةِ التكوينِ
لِـيَ أنتِ يا مَنْ تدخلينَ كهولتي
سَهْوًا؛ دخولَ غزالةٍ لـعرينِ
عينايَ صورةٌ (أشتهيكِ) فلم تزلْ
تطفو بماءِ الرَّغبةِ المجنونِ
وفمي تَشَكَّلَ من (أُحِبُّكِ) بعدما
كَرَّرْتُهَا للمَرَّةِ المليونِ
فخُذي -إلى عُمري- طريقَكِ، واحذري
أنْ تعثري بحواجزِ (الخمسينِ)
والعُذرُ لـ(ـلعشرينِ) حيث عَبَرتُها
وحدي، ولم أعرفْكِ في (العشرينِ)
لِيَ أنْ أكونَ (الحُوتَ) في بحرِ الهوى
لَكِ أنْ تكوني داخلي (ذا النُّونِ)
لا تُكثِري (التسبيحَ)؛ ما مِنْ مخرجٍ
مِنِّي، ولا (شطٍّ) ولا (يقطينِ)
إنِّي قفلتُ عليكِ كلَّ جوارحي
مُستَأنِسًا بشعوريَ المكنونِ
ما كانَ قَبلَكِ قَطُّ أنَّ قصيدةً
في داخلي، تسمو على التدوينِ
قالتْ لِـيَ الرُّؤيا: ظمئتُ، فـرَوِّنِي
-يا شاعري- بالحَدسِ والتخمينِ
فبَحَثْتُ عن لغةٍ تُقَيِّدُ لهفتي
ورَجَعتُ أضربُ في عراءِ جنوني
(سيجارتي) قلمٌ يفورُ على يدي
وكتابتي ضَـربٌ من التدخينِ
وأرى إلهًا في القصيدةِ حائرًا
يشكو خيانةَ (كافِـ)ـهِ و(النُّونِ)
*****
(دولفِينَتي).. عُومي ببحرِ مشاعري
وتَرَفَّقي بمُرَوِّضِ (الدُولفِينِ)
لا تسألي كيف انتظرتُكِ عالقًا
في الوقتِ بين هواجسي وشجوني
ورسائلٍ بيني وبينكِ سُطِّرَتْ
بمدادِ قلبيَ وامتدادِ حنيني
يسري إليكِ بها حمامٌ (هاتفٌ)
في موكبٍ من سِربِهِ الميمونِ
وأنا شريدٌ لا أُمَيِّزُ لحظةً
أحيا بها، عن لحظةٍ تُفنِيني
كالكوكبِ السكرانِ أتبعُ دورةً
محقونةَ اللحظاتِ بالأفيونِ
هَبَّ الغيابُ على حديقةِ لهفتي
وهناكَ خَاصَمَتِ الرياحُ غصوني
ودمي تَضَرَّجَ بالحنينِ كأنَّما
حربٌ تدورُ عليهِ منذُ قُرونِ
لا تسأليني كيف نافذةُ الهوى
خَفَضَتْ جناحَ الشوقِ للحَسُّونِ
(تشرينُ) عَرَّى ضَحْكَتي، وأصابَها
فيمنْ أصابَ بخاطرٍ مغبونِ
وبحثتُ ما بين الفصولِ فلم أجدْ
فصلًا يساعدُني على (تشرينِ)
لم ألقَ إلَّا الأغنياتِ كرائمًا
يجبرنَ قلبَ العاشقِ المفتونِ
من كلِّ أغنيةٍ يسيلُ على فمي
شَهْدُ العزاءِ كأنَّهُ يُغريني
والشعرُ عَلَّمَني الفروقَ، فدُونَهُ
لا فرقَ بين حدائقٍ وسجونِ
أحببتُ عُمْرِيَ في هواكِ كأنَّني
أُحصي بمقياسِ الشعورِ سنيني
وحرستُ (مرمى) الانتظار فلم تصلْ
(كُرَةُ) السُّلُوِّ إلى (شِباكِ) حنيني
وحضنتُ جرحيَ في الغيابِ فلم أزلْ
أتلو عليهِ محاسنَ السِّكِّينِ
لِـيَ من هواكِ هُوِيَّةٌ فكأنَّما
مَنْ صاحَ: يا أهلَ الهوى.. يعنيني
قد لا أكونُ أنا (حبيبًا أَوَّلًا)
حَطَّتْ بلابلُهُ بهذا التِّينِ
قد لا أكونُ.. وإنَّما لبلابلي
في العاشقين، فرادةُ التلحينِ
*****
يا آيَةً؛ من كلِّ جارحةٍ بها
أمضي إلى أقصَى حدودِ يقيني
حسناءُ تشهرُ طُولَها، وكأنَّما
شَهَرَتْ بهِ رُمحًا من النسرينِ
عذراءُ إلَّا أنَّ سِحرَ جمالِها
سَرَقَ البراءةَ من ضميرِ عيوني!
فَرِغَ الزمانُ من البهاءِ وجِئْتِنِي
تتألَّقِين بدفترِ التلوينِ
لَكِ خطوةُ النبعِ الطليقِ مُحَمَّلًا
في وجنتيكِ ببهجةِ الليمونِ
وهناكَ عَلَّقْتِ ابتسامتَكِ التي
ضاءتْ لنا في عتمةِ (الصَّالونِ)
صَافَحْتِنِي فتَفَتَّحَ الوَلَهُ الذي
ما بيننا عن زهرةٍ بيميني
وسكنتُ لكنْ ما سكنتُ، وإنَّما
شَتَّان بين سكينتي وسكوني
غَلَبَ الهيامُ على الكلامِ، فلم أَزِنْ
نفسي أمامَ قوامِكِ الموزونِ
سَلِمَتْ يداكِ وأنتِ تحتكرينَني
مثل احتكارِ الرُّوحِ عبر الدِّينِ
لَكِ ضَمَّةٌ راحتْ تُجَدِّدَ في دمي
ما يشتكي من دورةِ (الرُّوتينِ)
وأنا أشدُّ على عناقِكِ ساعدًا
مالتْ عليهِ عرائشُ الزيتونِ
وأشدُّ ثانيةً.. أشدُّ كأنَّني
أَتَعَهَّدُ (الحركاتِ) بـ(ـالتَّنوينِ)
وكأنَّنا (قوسانِ) بينهما انطوى
شوقٌ أذابَ حشاشةَ (التضمينِ)
فتداخلا ملءَ العناقِ كـطَعنةٍ
لم يُدرَ طاعنُها من المطعونِ
جاسم الصحيح شاعر سعودي من مواليد الأحساء. صدرت له عدة دوواين منها: ما وراء حنجرة المغني، رقصةٌ عرفانيَّة، نحيب الأبجديَّة، قريبٌ من البحر بعيدٌ عن الزرقة، تضاريس الهذيان.